يُعتبر فن الشارع الفن الأكثر تداولا مؤخرا نظرا للإمكانية التي يُوفرها بتواجده في الأماكن العامة ما يجعله مُتاحا ومجانيا لمختلف أنواع الجمهور مهما اختلفت خلفيتاهم الإقتصادية أو الاجتماعية أو العلمية. يُطلق فن الشارع على أي فن بصري يتم تأديته في الشارع بشكل مؤقت كعروض الأداء الراقصة أو الموسيقية أو تلك الأشكال الشبه الدائمة كالغرافيتي أو الجداريات التي سنركز عليها. كلمة جدارية “mural” مشتق من أصلها اللاتيني “murus” الذي يعني الجدار والتعريف الفني للوحة الجدارية يُحيل على أنها عمل فني مطلي ـأو مُطبق على جدار.
يُعتقد أن فن الرسم على الجدار ظهر مع العصر الحديث، لكنه أقدم من ذلك بكثير. نشأت الرسومات على الجدار مع فجر البشرية، فالإنسان البدائي استخدم الرسومات التخطيطية والرسومات الخام التي تعود إلى 13000 قبل الميلاد للتواصل مع الآخر لأن الرسم هي اللغة الأولى التي عبر بها الإنسان قبل الكتابة ويُعد “كويفا دي لاس مانوس” (كهف الأيدي) الواقع في سانتا كروز بالأرجنتين حوالي 5000 قبل الميلاد أقدم دلالة على فن الشارع القديم، وقد رُسمت بطريقة جد بدائية وأصباغ معدنية مختلفة لتشكيل الألوان.
تطورت واختلفت الجداريات مع تعاقب الحضارات على مر الأزمنة مع المصريين القدماء ثم مع حضارات بلاد الرافدين السومرية والكلدانية والبابلية، ثم الحضارة اليونانية وبعدها الحضارة الرومانية. والجداريات التي نراها في شكلها الحديث اليوم في شوارع العالم ظهرت مع القرن العشرين، وآخرها كانت الحركة الجدارية الأمريكية مع ثلاثينيات القرن الماضي والتي أسست لأسس الجداريات المصورة التي انتشرت مؤخرا.
الفن للجميع كما يُقال لكن هيمنة الرجل على فن الشارع وتحديدا الرسم الجداري منه لا يعني أن المرأة حول العالم لم تترك بصمتها في هذا الفن. Lady Pink واسمها الحقيقي ساندرا فابارا ولدت سنة 1964 هي رسامة جدارية مخضرمة أمريكية-إكوادورية، ركزت في رسوماتها على تيمة تمكين المرأة، لُقبت “بالسيدة الأولى للرسم على الجدران” لأنها كانت واحدة من أوائل النساء الناشطات في ثقافة الكتابة على الجدران في مترو أنفاق مدينة نيويورك في أوائل الثمانينيات.

توقع فنها تحت اسم Swoon هي الفنانة البريطانية المعاصرة كاليدونيا كاري المولودة سنة 1977، اشتهرت بأنها واحدة من أوائل فنانات الشوارع اللائي حصلن على اعتراف دولي. كانت جزءًا من مجموعة من الفنانين في وقت مبكر من القرن الحادي والعشرين، ما يُميز عملها هو القدرة التحويلية للفن كمحفز للشفاء داخل المجتمعات التي تعاني من الأزمات. صورتها التذكارية لسيلفيا إلينا موراليس (2008) ، التي قُتلت في خواريز بالمكسيك ، تناولت جرائم قتل النساء المستمرة التي أودت بحياة الآلاف من النساء في المكسيك وأمريكا الوسطى منذ عام 1993 كانت من أهم الأعمال التي خلدت مسيرتها.

معروفة باسم شمسية حساني، فنانة أفغانية ولدت في إيران وعند عودتها إلى بلدها الأصل في 2005 أتمت دراستها للفنون في جامعة كابول. عرضت فنها في العديد من البلدان كالهند وإيران وسويسرا وكندا. شمسية تُناضل من خلال فنها من أجل حقوق المرأة ، وتذكّر الناس بالمآسي التي واجهتها النساء وما زالت تواجهها في أفغانستان، تقول “الصورة لها تأثير أكبر من الكلمات ، وهي طريقة ودية للقتال.”

عرف المغرب أوائل بوادر فن الرسم على الجدران في السبعينيات، إذ وُظف الشارع في إنتاج الفن بداية في ساحة جامع الفنا بمراكش جداريات بمدينة أصيلة الواقعة على الساحل الأطسي. وقد ساهمت الدولة المغربية في إزدهار هذا الفن إذ دعمت حركات فن الشارع، إذ بدأت الجداريات تظهر في المغرب مع بدايات الألفين، وبدأت المهرجانات تُقام في الدارالبيضاء أولها كان مهرجان ” Sbagha Bagha Casablanca Street ” الفني الذي انطلق في 2013 ثم “Jidar – Toiles de Rue” وهو حدث سنوي يجمع فنانين عالميين ومغاربة في الرباط والذي نظم أول نُسخة له سنة 2015، كلاهما أنشأته L’Boulevard ، وهي منظمة تدعم الموسيقى المعاصرة والثقافة الحضرية في المغرب.

اتخذت الجداريات في المدن المغربية أشكالا وألوانا ورموزا وأبعادا مُختلفة، تباينت الرمزيات التي تُحيل عليها هذه القطع الفنية. رسمها شباب وشابات،فنانون مغاربة يريدون من خلال فنهم أن يُبلغوا العالم رسائلهم وصوتهم الذي يجد مُتنفسا له من خلال الأصباغ ومُستقرا له على الجدران.
تُعلق إيمان دروبي على اللوحة التي شاركت بها في مهرجان جدار:
“أكرم بهذه اللوحة مدينة الرباط المشهورة بفن الطرز الرباطي الذي تنسجه النساء وأكرم أمي التي تزاول التطريز منذ أزيد من أربعة وثلاثون سنة” إيمان دروبي، ابنة مدينة الدارالبيضاء ابتدأت مع فن الشارع في 2018 ، تقول ” البداية كانت على حائط صغير بمدينة برشيد مع أصدقاء لي يشاركونني نفس الميول ثم بعدها وجدت نفسي مُعلقة بالجداريات”.

غالبية الجداريات التي تُبدعها إيمان هي لوجوه أنثوية، طفلة، مراهقة أو شابة هي الوجوه التي تجد عليها توقيع إيمان، تُجيب عن تركيز اختيارها للأنثى في لوحاتها؛ “لأن الوجه الأنثوي له جماليته الخاصة ولأن وجه الأنثى يُبرز المشاعر بشكل أكبر وأدق”.
في مقالة منشورة على موقع Artists Network نجد في مقالة بعنوان: كيف يستخدم الفنانون تعابير الوجه لجذبنا إلى عوالمهم؟ “إذا أضاف الفنان/ة ابتسامة على وجه المرأة في لوحة زيتية ، فلا يهم ما إذا كانت الصورة مرسومة في غابة مظلمة أو في أي مكان إذ تحددها الطاقة المنبعثة من الابتسامة” إشارة لقوة الطاقة التي تستطيع أن توصلها ملامح المرأة.